الاثنين، 30 نوفمبر 2009

في ذكرى وفاة والدي ..!


..


كُتب في اللوح : ممنوع عليه أن يلهج بهذه الأحرف الثلاثة ملتصقة ( أ / ب / ي )..
..
يقوى لساني الجريء أن يتفوه بقواميس البشر كلها..
جميلها وقبيحها.. حلوها ومرها..
إلا أحرف ثلاثة ..!!
لا يعرف لها وزن
ولا يهتدي بها إلى وطن..
شطبت بقلم القدر..
وانمحت بظلم القهر..
ودفنت بأحضان القبر..
وانطمست بأنامل البشر..
واختنقت بأغلال الصبر..
أ / ب / ي
حروف .. سرقتها ليالي اكتوبر الحمراء
ورمتها في جهة السماء
لم توقفها سحابة ممطرة
ولا رياح عاصفة
..
حروف.. اندست تحت ظلال الأيام ..واختبت بين خُرق الليالي ..
وتعلقت في شعاع شمس يومك الأخير.
ورحلت برحيلك يا أبي.
محرمٌ عليّ تركيبها ..
وذنبٌ عليّ إخراجها..
وجرمٌ علي تلحينها..
كُتب عليّ : ممنوع أن تلج إلى لسانه ..
وماذا يعني أن أفقد تلك الحروف الثلاثة .. إلا اليُتم الدائم.!
..
يا أختي الصغيرة : والدنا ذهب بعيدا وحتما سيعود ولو بعد حين..
ما أكذبني وأنا أجيب أختي على سؤالها القاتل.. أين والدي .؟
سيعود.. سيعود
...
يا والدي من أجلك أصير لصاً..!!
أصبح فرضا عليّ أن أدخل غرفة أختي اليتيمة عند كل مساء..
لأطمئن على روحها الغالية.. ولأسرق مرآة دميتها البالية..
نائمة على سريرها الخشبي المتحرك..
وفي أحضانها تلك العروس المتهالكة..
المرآة الصغيرة مسجونة في دولاب تسريحتها التي تتنفس الموت..
دولاب.. يحتضن عرائسها وألعابها وخردواتها وأوراقها الممزقة أيضا..
أوراقها التي تكتب عليها بألوانها الخشبية ( بابا ماما ) ..!
تسكعت يدي قليلا في دولابها الفاني..
وبهدوء خطفتُ مرآتها وهربت بها بعيدا عن جدران اليُتيم الأربعة..
لا أدري لم أهرب دائما عندما أخطف هذه المرآة ..!!
دخلت إلى أكثر الأماكن دفئا إلى جسدي ..
غرفتي التي أتوسد فيها ذراعي النحيلة.. وأتقوقع فيها على نفسي..
لا أعرف مكانا أجمل منها..!!
خيمة الأحزأن .. وملجئ تقيم فيه هموم اليوم والليلة..
ومأوئ لغريب مثلي فقط..!!
استقبلتُ المرآة التي صنعت من الاستيل الخالص
لأتأمل شفتيّ الصغيرتين ..
أعصر عينيّ أحاول أن أبصر على شفتيّ تلك الحروف الثلاثة ..
حروفٌ.. مستلقية بدفء شديد .. يلفها رداء الصمت.. ويغطيها لحاف السكوت..
أحرك لساني لأضم الحروف الثلاثة لبعضها
أسعى لأجعل الألف قريبا من الباء ملتصقا بالياء دون أن يشعروا بي..
لكنهم يحتجّون بالقدر..
فأعاقبها بأن أقطع شفتي السفلية بأسناني الشطيرة الحادة..
...
يا والدي.. صورتك دائما معي..!
أراك عندما أجلس أمام البحر لوحدي ..
وأراك عندما تذوي الشمس وتمضي ..
وأراك عندما تمطر السماء وتبكي ..
وكثيرا ما أراك في دموع أختي..!
...
يا والدي .. أريد أن أقتسم معك رغيفة خبز يا بسة ..!!
عندما أزور قبرك أجدك تختفي عن ناظريّ..
المسافة بيننا صغيرة جدا لكني لا أرى شخصك..
ولا أسمع صوتك .. ولا أشم عطرك..
هل أنا أصم.. أبكم.. أعمى !!؟
...
يا والدي::
كنت رب أسرتنا.. والآن لا رب لأسرتنا .!!


أبي: إلى جنة الفردوس



ابنك: عام الفيل
من خارج العالم العربي
n1n19@hotmail.com

هناك تعليقان (2):

mfk يقول...

الموت مفتاح الخلود في الجنه اسئل الله ان يجمعنا في الجنه وجميع المسلمين حروفك معبره الالم الحزن الحب عدم النسيان تطلعك للماضي ينسيك المستقبل اتمنى للك حياة سعيده لك حبي وتقديري ومواساتي مدى ماعشت اخوك ابو رائد

عام الفيل يقول...

الضوء الخافت: أبا رائد..

أشكر لك حرفك الابيض.. وقلبك الابيض.. وروحك البيضاء..


وسنة مباركة..!